ـ التقييم والمراقبة و ثنائية الكفاءة والأداء
ان مسألة التمييز بين التقييم والمراقبة مرتبطة ارتباطا عضويا بثنائية الكفاءة والأداء.
يعرف Chomskyالكفاية الألسنية بكونها "القدرة على إنتاج وفهم عدد لا متنه من الجمل الصحيحة انطلاقا من منظومة محدودة من القواعد".
لا تنحصر إذن الكفاءة في كم من الأداء ولا في مجرد قدرة على تسجيل وإعادة إنتاج بيانات énoncés
ولو نحن نقلنا هذا التعريف على الوضعيات التعلمية قلنا أن الكفاءة هي الإمكانية ـ مع احترام القواعد الرموز ـ التي تسمح بكل حرية إنتاج عددا لا متناه من الأداء غير المرتقبة والتي لها اتساق فيما بينها وعلاقة مع الوضعية.
La compétence est la possibilité, dans le respect des règles d’un code, de produire librement un nombre indéfini de performances imprévisibles mais cohérentes entre elles et adaptées à la situation (Reboul : Qu’est ce qu’apprendre ; page 186)
مثال: تقيّم كفاءة تلميذ في الحساب الذهني عبر أداءات يمكنه تحقيقها في وضعيات متنوعة وذلك بإعادة توظيف واستثمار جميع الإجراءات التي تعلّمها وأيضا بابتداع وإنشاء عمليات أخرى تتلاءم مع المشاكل المطروحة
لو رجعنا إلى التمييز الأول : كيف تعمل المراقبة ؟ وعلى أي شيء تركز؟ تهتم المراقبة أساسا بالأداءات الخاصة بالمعرفة من فهم وتذكر ومهارات.تلك المعارف التي تترجم في سلوكات ملاحظة يمكن التحقق منها وحتى ترقبها عندما نضع اختبارا محددا ومدققا ... (.) أما التقييم فانه يهتم بالكفاءات التي تخص المعارف المنهجية والقدرات العامة كالقراءة والكتابة وحل المشاكل وتبني المنهج العلمي وإدراك أبعاد المسألة، واختيار المعلومات اللازمة في نص وتحليل المعطيات لتقديم إجابة، وتشكيل الأجوبة وإيصالها بالدقة والوضوح اللازمين .. كالانطلاق من العام إلى الخاص ومن الخاص إلى العام والتمييز والمقارنة والتجريد ... فلا يمكن الحديث هنا عن سلوك ملاحظ بقدر ما نتحدث عن تصرف وخطة وطائفة من السلوكات نؤولها وتقاربها مقاربة شاملة.
الخلاصة هي أن الكفاءة يصعب تقييمها لأن تقديرها يطرح على الأقل مشكلين
أولا : يكون التقييم بصيغة سلبية لأن المقيم يحكم على المظاهر السلبية للكفاءة كعدم احترام الرموز وعدم اتساق الاداءات أو عدم تلاؤمها.
بينما تفلت المظاهر الايجابية للكفاءة مثل الحرية والإبداع واللا ّمتوقع من الحكم والتقييم.
ثانيا : يجب أن يكون المقيم قادرا على الربط بين الأداء الملاحظ المؤدي إلى الكفاءة بمعنى أن يكشف عن الكفاءة الكامنة تحت الأداء. Remonter de la performance à la compétence خاصة وأن نفس الكفاءة يمكن أن تنتج سلوكات مختلفة وأن سلوكا معيّنا يمكن أن يعكس عددا كبيرا من الكفاءات ذلك أن العلاقة ليست علاقة تجانس جزء ـ جزء bi-univoque
ـ المراوحة بين المراقبة (مراقبة الأداء) في المدى القريب والتقييم (تقييم الكفاءة) في المدى البعيد ومسألة نقل المكتسبات وتحويلها وتوظيفها:
اذا كان على المربي مراقبة أداء المتعلمين بعد أن يعد العدة للتعلم (الوضعيات، الخطة ... ) وأن يحكم على قيمة وجدوى تعليمه و ما يقابله من تعلّم وأن يعاين مدى تحقق الأهداف التي وضعها ...
فعليه ألا يكتفي بمجرد المراقبة بل يمدّد العملية في اتجاهين على الأقل :
س 1 ـ هل أن التلميذ قادر على توظيف واستغلال المكتسبات التي عاينتها المراقبة ؟ réinvestir les acquis
س 2 ـ ما هي تمشيات التعلم التي سمحت للتلميذ بالوصول إلى هذه المكتسبات.
السؤال 1 يوحي بضرورة بناء أدوات تقييم لا تكتفي بجميع الأجوبة التي تولدها قائمات أو بيانات اعلامية أو استحضار معلومات , بل ينبغي للتمارين (الاختبارات) المطروحة أن تبيّن قدرة التلميذ على استخدام تمشيات منطقية وتنظيمية وقدرته على توظيف المكتسبات في وضعيات جديدة مع العلم أن اختيار هذه التمارين المقيمة يتم حسب خطة اتفق عليها عديد المنظرين أمثالD’Hainaut ,Hameline, De Ketele في حديثهم عن التقييم التكويني (قصـــير المدى و متوسط وبعيد المدى
* قصير المدى:
ـ مراقبة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالتمشي التعليمي
ـ ووظيفتها التحقق من تمكن التلميذ للمعارف والمهارات.
ـ النتائج مسجلة بطريقة موضوعية
* متوسط وبعيد المدى :
ـ التحقق من قدرة التلميذ على استخدام المكتسبات بعد تملكها (الفترة 1)
ـ يكون هذا عند انتقال التلميذ من مستوى إلى آخر أو حتى في الحياة المهنة (اختبار للتوجيه والانتقاء).
ـ لابد من وضعيات جديدة لا تستنتج وضعيات التعلّم..
يمكن هنا تصنيف النشاطات أو لمواقف المرتقبة بواسطة طريقة تحليل الوظائف.
ـ التحقق من قدرة التلميذ على الإبداع (طريقة المشروع) (هذه القدرة لا تراقب إلا عندما يستوعب التلميذ مجموعة من الكفاءات المتداخلة والمتقاربة .
السؤال 2 : يوحي إلى الاهتمام بالتمشي العرفاني للتلاميذ والتثبت منه وهم في وضعية تعلم وتجاوز المعاينة البسيطة لأن بقدر ما يكون تقييم الناتج الكامل هاما بقدر ما تكون معرفة الكيفية التي أوصلت التلاميذ إلى هذا الناتج أهم
هذه المعلومة أساسية:
ـ لتحليل السلوك التلمذي
ـ للتفطن ومعاينة الأخطاء
ـ لفهم المنطق التلمذي ...
* ملاحظة سلوك التلاميذ أثناء التعلم : شبكات
ـ المقابلة مع التلميذ
ـ دراسة المسودّات
ـ عدم الخلط بين تقييم منتوج التلميذ وتقييم التلميذ ذاته
ـ فخ التكميم : كثيرا ما نحتاج في التقييم إلى شبكة مرقمة من صفر إلى 10 أومن صفر الى20 أو أ ـ ب ـ ج ـ د ...وهذا ما يوهم بأن التقييم هو قيس. ذلك أن التمييز بين عملين تحصلا على 8 و 9 لا يكون مثل التمييز بين عملين تحصلا على 14 و 15 خاصة وأن هذا التقييم تقديري كمي لا تبين الفرق أو العلاقة بين عددين بل تقتصر وظيفته على تموقع في سلم قيمي ترتيبي (بالمعنى الرياضي) وتنظيمي (بالمعنى المنطقي) لنتاج التلاميذ. والمهم هو تحديد العتبة التي تبين أن هدف التعليم تتحقق أو لم يتحقق.
ففي ضوء هذه العتبة نحكم أو نأخذ قرارا لأن هذه العتبة تمثل القطيعة التي تتحكم في الدلالة.
وفي كلمة فان التقييم يتجاوز التكميم لأنه كيفي ولا بد للمدرس أن يعي ذلك!
إلى جانب هذا فإن التكميم أو التنقيط (إسناد العدد) يطبق على مؤشرات ومثل هذه المؤشرات ـ كما بينا ـ لا تكشف عن حقيقة النتائج الذي يراد تقييمها خاصة وأن المؤشرات علامات خارجية بينما الناتج له أبعاد أخرى لا تختزل في هذه المؤشرات بمعنى أن التكميم ينطبق على المؤشرات الملاحظة لا على الناتج الذي نقيمه فعلا.
ـ المنزلقات المرتبطة بالتركيز على النشاط التقييمي ونسيان غايات التربية :
* تمجيد التقييم وجعله مركز اهتمام المدرس عوض الاكتفاء بما هو قابل للتقييم في مجمل النشاطات المقترحة لأن محتوى التدريس ومقتضيات التعلّم هي التي تثير عملية التقييم لا العكس لأن من بين وظائف التقييم جعل التعليم أفضل والتعلم أنجع.
*نسيان غايات التربية وأهداف النشاط التعليمي الحقيقي باعتبار أننا نركز على النتائج الآنية للتعلم التي قد تطمس أهداف التعليم ـ التعلم بمعنى أننا نفرط في الاهتمام بما نريد القيام به ونهمش ونقصي ما نقوم به فعلا
وكي نتفادى هذين المنزلقين ينبغي توسيع مجال الأهداف. فإلى جانب الأهداف العرفانية والمهارتية (التي يمكن أن نضمن لها أدوات تقييمه، شبكات ...) نولي اهتماما أكثر للمعارف والمهارات المنهجية وللمواقف.