طــــــــرح رائــــــــــع ومـــــوضـــــوع جــــديـــــــــر بالمنــــــــاقشـــــــة والاثــــراء تشكــــرين علــــــى التطــــــــرق اليــــــــــــــه
الدور الواقعي والمتوقع لهيئة التفتيش
في ظل الدينامية التي عرفتها المنظومة التربوية من نجاحات وإخفاقات، تبرز من جديد مسألة تأهيل هيئة التفتيش باعتبارها رافعة أساسية للارتقاء بجودة هذه المنظومة،
وهناك خمسة تدابير كبرى لتحقيق ذلك تتمثل أساسا في:
• إعطاء دينامية جديدة لوظيفة التفتيش ومهمة التأطير التربوي وتجديدهما؛
• تجديد هندسة تكوين أطر التفتيش؛
• تعزيز التكوين المستمر بالنسبة للمفتشين؛
• ملاءمة نظام تقويم الأطر التربوية لخصوصيات النظام التربوي.
ولذلك تبرز خمس رافعات لتحقيقه، تتجلى في:
• مهام وكفاءات مهنية
• تكوين أساس متين ومؤهل
• تكوين مستمر لتنمية مهنية دائمة
• شروط ملائمة ومحفزة لمزاولة المهنة
• تقويم عمل التفتيش التربوي في إطار ترسيخ المسؤولية والمحاسبة بناء على النتائج
وانسجاما مع هذا التوجه، سنحاول من خلال هذه المقالة أن نستحضر بعضا من الاختلالات والمعيقات التي تحول دون قيام هيئة التفتيش بدورها، ونستشرف الإمكانات المتاحة لها قصد تأهيل ذاتها ومن تم المساهمة في تأهيل المنظومة التربوية ككل.
1- نحو التصالح مع المصطلح:ارتبط مفهوم التفتيش دائما بالردع والتسلط والاستعلاء، رغم أن الكلمة في اللغة لا تحمل بالضرورة هذه الدلالة إذ تعني البحث وتصفح شيء ما أو أعمال شخص معين للاطلاع عليه ولمعرفته المعرفة الكاملة والدقيقة، ولذلك نجد بعض المدرسين يتحاشون كتابة كلمة "مفتش" في وثائقهم، ويستبدلونها بمفاهيم مجاورة كالمشرف التربوي أو المؤطر التربوي.
إن السلبية التي تحاط بمصطلح التفتيش ليست وليدة المصطلح ذاته ولكنها تعود إلى الممارسات التي التصقت به على مر السنين، والتي جعلت من العقاب الوسيلة الوحيدة للإصلاح والتوجيه؛ حيث تجلت بعض هذه الممارسات في:
- التركيز على المدرس وإهمال بقية العوامل المتدخلة في العملية التعليمية التعلمية؛
- الاهتمام الكبير بمدى تنفيذ المدرس للتعليمات والقرارات؛
- الاعتماد على عنصر المفاجأة؛
- اعتبار المفتش هو صاحب السلطة العليا، والمالك الأوحد للمعرفة؛
- التشجيع على التنميط وفق رؤية المفتش.
إن إعادة التصالح مع هذا المصطلح، لا يقتضي حتمية تغييره بمصطلح آخر بقدر ما يقتضي تصحيح هذه الممارسات في الميدان، والاستفادة من الدراسات الحديثة المنجزة حول الإشراف التربوي الذي تنوعت أساليبه وتعددت أنماطه (الديمقراطي، العلمي،الإبداعي، التصحيحي، الوقائي، البنائي، العيادي...)
2- من الموسوعية إلى الوظيفيةاستمد المفتش سلطته المعنوية من قدرته على استيعاب وتملك المعارف والمعلومات المرتبطة بمجال اشتغاله، فكان بذلك المصدر الوحيد والموثوق للمعرفة، مما جعل عملية التفتيش تنبني فقط على الرضا "إذ يظل اهتمام المدرس منصبا على كيفية إرضاء المشرف التربوي على اعتبار هذا الأخير ذا سلطة عليه".
غير أن التدفق المعرفي الذي يعرفه هذا العصر في شتى المجالات، والتطورات التي تتلاحق بسرعة مهولة، تجزم باستحالة مجاراة هذه المعارف والإلمام بها.
إن هذا الدور الموسوعي حتما بدأ يتوارى وأصبحت الحاجة إلى مفتش له القدرة على نقل هذه المعارف إلى إجراءات وتدابير لمواجهة المستجدات التي تعرفها الحياة المدرسية، وتوظيفها وفق الحاجات التي يعبر عنها المدرسون؛ الغاية من ذلك هي مساعدتهم على تطوير كفاءاتهم المهنية، وتحفيزهم على التعامل الإيجابي مع مختلف القضايا التربوية والديداكتيكية، وبذلك لن يكون التفتيش سلطة " ولكنه برنامج من التصورات والاقتراحات والبدائل التي تذلل الصعوبات أمام مهنة التدريس... إن الهدف الأساسي للتفتيش هو تطوير كفاءات المدرسين وقدراتهم ومهاراتهم في مناخ تربوي وثقافي ومهني يساعد على تحقيق هذا الهدف."
3- التفتيش بين تشعب المهام ومطلب الفعالية:تسند للمفتش مهام التأطير والمراقبة والتتبع والتقويم والتنشيط التربوي ، فالمفتش التربوي للتعليم الابتدائي مثلا يؤطر أو يساهم في تأطير الأساتذة العاملين بالتعليم الابتدائي ، والمربيات والمربين بالتعليم التحضيري، ومتابعة المديرين اوالمكلفين بمهام الإدارة، ومحو الأمية، ، ويقوم بتتبع ومراقبة وتقويم عمل كل هؤلاء ، وفي الوقت ذاته يتكلف بمراقبة وتتبع وتقويم تنفيذ البرامج والمناهج الدراسية واستعمال الكتب المدرسية والمشاريع التربوية للمؤسسات التعليمية الابتدائية وعمليات الدخول المدرسي، وسير إيقاعات التعلم، أما فيما يخص التنشيط التربوي، فإن المفتش يتكفل بتنشيط الدروس التطبيقية والندوات التربوية والبحوث الميدانية والأنشطة التربوية والاجتماعية والفنية.
إن هذا التعدد في المهام، دون إغفال التكليفات من أجل القيام بمهام لا تدخل ضمن اختصاصاته الأساسية أو العضوية في اللجان المختلفة، يجعل من المفتش صاحب كل المهام، وفي الوقت ذاته بلا مهمة محددة، وهذا يتنافى مع مطلب الفعالية والنجاعة،
وإذا تأملنا هذه المهام مع تعددها نجدها تفتقر إلى الدقة، كما يمكن إرجاعهما إلى وظيفتين قد تبدوان غير متجانستين وهما الوظيفة التنفيذية ويدخل ضمنها التأطير والتنشيط و الوظيفة التقويمية تتمثل في المراقبة والتتبع.
إن هناك حاجة ملحة لإعادة النظر في مهام التفتيش التربوي وتقنينها وتدقيقها ليتلافى هذه الضبابية والشساعة اللامنتهية، وليستطيع الإسهام الفعال في تجويد المنظومة التربوية.
4- الاستقلالية الوظيفية لمهنة التفتيشيقصد بالاستقلالية الوظيفية مجموع الضمانات التي يستوجب أن تتضمنها التشريعات والقوانين، التي تكفل وجود جهاز ما، وتمتعه بأداء وظيفته بحرية وحياد واستقلالية، ودون أي تدخل من أي طرف خارجي، لا ينتمي لنفس الجهاز، على أن يبقى حق الدولة في المحاسبة مكفولا، وفق ما تنص عليه القوانين الجاري بها العمل،
إن تحقيق الاستقلالية الوظيفية لهيئة التفتيش تقتضي على الأقل:
- إعادة النظر في التشريعات والقوانين المنظمة لقطاع التربية والتكوين ومنها المتعلقة بهيئة التفتيش، مع العمل على الفصل بين وظيفتي التقويم التأطير، لأن جدوى الاستقلالية الوظيفية ترتبط أساسا بعملية التقويم وإصدار الأحكام، لا تنفيذ البرامج وتطبيقها.
إن تطوير جهاز التفتيش التربوي يشترط "وجود بنية مهيكلة على قاعدة المهام المندرجة في نسق خاص وموحد ومستقل، ومباشر. ومثل هذا النسق يضمن تحقيق وتسهيل وتسريع نتائجه الإدارية والتربوية والمعرفية".