تدني المستوى التعليمي في مدارسنا .. كيف نتجاوزه
ان العملية التعليمية تقوم على ثلاثة عناصر رئيسية هي " المنهاج ,
المعلم , التلميذ " وتفاعل هذه العناصر مع بعضها البعض بشكل صحيح يؤدي إلى نجاح العملية التعليمية ويعطي ثماره المرجوة , وان أي خلل في أحد هذه العناصر يؤدي إلى إخفاق العملية التعليمية برمتها .
أولا المنهاج :
المنهاج المدرسي هو مجموعة الخبرات والأنشطة والمعلومات الأساسية التي تستخدمها المدرسة في تنمية تلاميذها . ويتكون من عناصر عدة أبرزها عنصران هما :
المحتوى وهو المادة الدراسية (المعلومات) التي توضع على أساس الأهداف التربوية والفلسفية للمجتمع ويترجم المحتوى إلى كتاب مدرسي . أما العنصر الأخر فهو الأساليب والأنشطة وهي أدوات تنفيذ المنهاج وتتكون من أساليب التدريس والأنشطة التي تسهم في توضيح المحتوى .
وإذا نضرنا إلى كتبنا المدرسية نجد بعض المشكلات والعيوب التي تتخللها ومنها على سبيل المثال لا الحصر :
· طول المحتوى وهو ما يؤدي إلى عدم استكماله خلال العام الدراسي .
· وقوع بعض الأخطاء الإملائية و المطبعية فيها واحتوائها على إحصاءات قديمة .
· عدم وجود الترابط أحيانا بين موضوعات الكتاب الواحد وعدم ترابطها مع موضوعات السنوات السابقة واللاحقة.
· قلة الأسلوب القصصي في سرد الوقائع والأحداث التاريخية وغياب العبرة والفائدة من الدرس .
· عدم احتواء دليل المعلم المفسر للكتاب المدرسي على بعض الحلول والإجابات للأسئلة التي وردت في الكتاب ويترك الأمر لقدرات واجتهادات المعلم مما قد يخطي أحيانا .
إن المناهج التعليمية لايمكن أن تصل إلى مرحلة الكمال وتخلو من العيوب والتقصير لأنها من وضع البشر , ولكن على القائمين بوضع تلك المنهج مراعاة مايلي :
1) أن يتناسب المحتوى التعليمي مع قدرات التلميذ الاستيعابية ويؤدي إلى إشباع حاجاته المعرفية
2) ضرورة ترابط المحتوى وتصحيح الأخطاء في الطبعات الجديدة .
3) أن تكون الأنشطة الموضحة لبعض الموضوعات وخاصة العلمية يسهل توفير أدواتها وأجهزتها ببساطة ويسر .
ثانيا المعلم :
إن المعلم هو القاسم المشترك في العملية التعليمية بين المنهاج والتلميذ وهو المسئول عن توصيل المنهاج بأهدافه إلى شخص المتعلم .
وان مهنة التعليم مهنة ربانية أكد عليها الحق سبحانه وتعالى في محكم كتابه بسورة العلق بقوله (( اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم )) وهي من أصعب المهن لكون المعلم يتعامل مع الروح البشرية التي تختلف طباعها من شخص لأخر بعكس المهن التي يتعامل أصحابها مع المادة التي تحكمها قوانين ثابتة .
ولصعوبة مهنة التعليم فانه يصاحبها بعض الإخفاق من قبل عدد من المعلمين مما ينعكس بدوره على العملية التعليمية , ويمكن أن نرجع ذلك الإخفاق إلى أسباب عديدة منها : >>
· عدم حصول المعلم على التدريب والتأهيل الكافي .
· تكليف المعلم فوق طاقته أحيانا بتدريس عدد كبير من التلاميذ مما يعيق عملية توصيل المعلومات إليهم جميعا وعدم متابعتهم .
· عدم تطبيق مبدأ الثواب والعقاب بشكل صحيح في التعامل مع المعلم من قبل الجهة المسئولة عليه , فالمجّد وصاحب الكفاءة العالية في درجة واحدة مع المهمل والمقصر في عمله , بل نجد أن المحسوبية والوساطة تلعبان دورا كبيرا حتى في اختيار المكرمين من المعلمين في يوم عيد المعلم على سبيل المثال .
· عدم متابعة المعلم للتطورات الجديدة في الأساليب التعليمية والتربوية , وعدم اهتمامه بتطوير قدراته الفكرية والعلمية من خلال الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة " الانترنت والقنوات الفضائية التعليمية " وكذلك من خلال ما ينشر في الكتب والمجلات والصحف من مقالات وبحوث علمية تتعلق بمجال التربية والتعليم .
إن المعلم هو الذي يقود عملية التغيير والتطوير في المجتمع لذلك يجب أن يحظى بتقدير معنوي ومالي وتدريب عالٍ من قبل المؤسسة الحكومية بحيث يؤدي عمله بالشكل المطلوب .
كما نذكر المعلم بعدد من النصائح التي لأتخفى عليه وندعوه إلى تطبيقها حتى يكون ناجحاً في عمله ويرفع من المستوى التعليمي للتلاميذ من خلال التعليم الفعّال :
1) إن لايجعل الجانب المادي هو الهدف الوحيد من مزاولة هذه المهنة بل أن يخلص العمل لله عزّ وجل ويحتسب الأجر من عنده .
2) إن يكون قدوة حسنة لتلاميذه داخل الصف وخارجه حريصا على إكسابهم العادات الحسنة والاتجاهات الايجابية التي تتوافق مع قيّم مجتمعنا وتقاليده , وان يكون اجتماعيا قادرا على التواصل مع اسر تلاميذه .
3) الحرص على التحضير للدرس بشكل جيد وتوقع الأسئلة التي قد يطرحها التلاميذ لإعداد الإجابة عنها مسبقا حتى لايتعرض للإرباك والإحراج أمام التلاميذ .
4) مراعاة الفروق الفردية للتلاميذ اثنا شرح الدروس وعند وضع أسئلة الامتحانات , وتنويع أساليب وطرق الشرح والإكثار من أساليب التشجيع والترغيب .
5) مراعاة خصائص النمو النفسية والجسمية والعقلية والاجتماعية للتلاميذ أثناء عملية التعليم .
6) إن يكون بمثابة أب لكل التلاميذ عطوفا عليهم ومتجاوبا معهم وموجها ومرشدا لهم .
7) إن يلم بالمعلومات والحقائق والمفاهيم ذات الصلة بالتخصص الذي يدرسه والاطلاع على المستجدات الجديدة فيه .
ثالثا التلميذ :
التلميذ هو محور العملية التعليمية التي تسعى إلى إكسابه العديد من المعارف والمهارات التي يستفيد منها في خدمة نفسه وأسرته وبلده .
ومع أن العملية التعليمية تسعى من اجل مصلحة التلميذ إلا أن عدداً من التلاميذ لايدركون ذلك ويرون في المدرسة سجنا مفروضا عليهم وآخرون يعتبرون الذهاب إلى المدرسة عادة يمارسونها كل يوم , وان عدم إدراك المصلحة من التعليم هو ما يؤدي إلى تدني مستوى هؤلاء التلاميذ بالإضافة إلى أسباب عديدة أخرى منها :
· الإدارة التسلطية وأسلوب القسوة والشدة والتحيز الذي يتبعه بعض المعلمين يؤدي إلى إحباط التلاميذ وعدم تفاعلهم معهم .
· طبيعة المواد التعليمية مثل "صعوبة فهم المادة , كثرة المحتوى , قلة الإثارة والتشويق " .
· عدم توفر الجو المناسب لعملية التعليم داخل غرفة الصف مثل زيادة عدد التلاميذ , عدم وجود التهوية والإضاءة المناسبة ... الخ " .
· كثرة الواجبات المنزلية وتعود التلاميذ على اسلب التسويف في انجازها وتراكمها عليهم مما يؤدي إلى تركها بشكل نهائي .
· اللامبالاة عند التلاميذ الناتجة عن النظرة القصيرة للمجتمع من حولهم لعملية التعليم وأهميتها.
· عدم الانتباه والإصغاء والتركيز الجيد للمعلم داخل الصف .
· توجيه النقد بشكل مستمر للتلميذ من قبل المعلم والأسرة والسخرية من إجاباته الخاطئة .
· غياب التعليم التعاوني القائم على الحوار والمناقشة والاقتصار على الطرق التقليدية في عملية التعليم كالإلقاء والمحاضرة .
· الصحبة السيئة التي تدمر كل ماهو جميل .
وهنا نقول للتلميذ أن النجاح الدراسي كغيره من الطموحات لايتحقق بغير نية صادقة وعزيمة قوية وإذا فقدت تلك العزيمة فلن تذاكر بحماس ولن تحقق التفوق وأول درجات العزيمة أن ترفع شعار " هذا عملي " .
وعلى الأسرة كطرف مشترك في العملية التعليمية أن تغرس في نفوس أبنائها حب العلم والمدرسة واحترام المعلمين وتساعدهم في رسم هدف لهم في الحياة يسعون لتحقيقه من خلال التعليم , كما عليها أن تحيطهم بكامل الرعاية والاهتمام وتوفير لهم الجو الملائم للمذاكرة داخل المنزل ومساعدتهم في حل بعض الصعاب والمشاكل التي قد تعترضهم في الدراسة .
كما إن إدارة المدرسة المسئولة بشك مباشر على إدارة العملية التربوية والتعليمية داخل المدرسة مراقبة جهود المعلمين ومتابعة تقييمهم للتلاميذ للتعرف على المستويات المتدنية وأسباب ذلك التدني والعمل على وضع الحلول المناسبة لذلك مثل إقامة دروس إضافية أو التركيز على جوانب الصعوبة التي يواجهونها حتى يتمكنوا من التغلب عليها وعلى إدارة المدرسة المساهمة في اكتشاف مواهب التلاميذ والعمل على تنميتها من خلال تنظيم الأنشطة اللاصفية ,كما إن عليها خلق روح التواصل مع اسر التلاميذ من اجل ربط الأسرة بالمدرسة وتفعيل دورها .
وأخيرا فان ما قيل سابقا في مشكلة تدني المستوى التعليمي في مدارسنا ماهو إلا غيض من فيض , تلك المشكلة التي يمكن تجاوزها إذا أيقنت جميع الأطراف ذات العلاقة بالعملية التعليمية بخطورتها على المدى القريب والبعيد وعملت على القيام بدورها الصحيح والفعّال . كما نأمل أن تكون هناك دراسات وبحوث علمية وميدانية لمعالجة هذه المشكلة يتم الأخذ بنتائجها في رسم السياسات التربوية والتعليمية لبلادنا .