كيف نربِّي أبناءنا في العصر الحالي؟
إن المتمعّن في مهنة التربية والتعليم وليس بممتهن لها لينظرُ إليها بمنظار أنّ المتعلّم يقصد المدرسة ليتلقّى علومًا من طرف معلّمه وانتهى الأمر، إلاّ أنّ هذه النظرة قاصرة، تستدعي التَّفكير عميقا وبجدية في الأدوار الرئيسيَّة المنوطة بالمعلم اقتداءً بسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومن الأهمية بمكان طرح تساؤل لطالما كان يراود الكثير عند سماع مقولة عمر بن الخطاب "لا تعلموا أولادكم عاداتكم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم"، أو كما يقال "ربوا أولادكم لغير زمانكم".
فكيف نربي أبناءنا في زمان ازدادت فيه حدّة قلق الآباء بعد غزو الفضائيات، واختراق الانترنت البيوت وما تحويه من ملايين المواقع خصوصا ونحن في عصر الثورة المعلوماتية والانفجار المعرفي، وما هو الملاذ الآمن الذي يلجأُ إليه أبناؤنا للحيلولة دون الوقوع في الأخطاء والشبهات، وإن كنت أريد من هذا الموضوع بُعدًا تربويا أكثر منه تعليميا إلا أنه لا يمكن إغفال الجوانب التعليمية التي هي ضرورة حتمية لإعداد التلميذ مستقبلا كونه إنسان العصر يواجه مطالب الحياة، ويمكن حصر خمسة أهداف من العملية التعليمية:
1. يتعلم ليتعرف.
2. يتعلم ليعمل.
3. يتعلم ليكون.
4. يتعلم ليشارك.
5. يتعلم لينتج.
ولكي نصل إلى الإجابات المطروحة يمكن أن نطرح فرضية أن مواصفات الإنسان هي نتاج التربية المنشودة والتي تلقى على كاهل الأبوين والمعلمين بصفة تشاركيّة والمتمثلة في:
- التربية الصحيحة المتَّزنة.
- اكتساب المعارف.
- التكيّف مع المجتمع.
- تنمية الذات والقدرات الشخصية.
ومنطلقها يكون من خلال مجموعة أنماط من التربية المعاصرة:
أ- التربية بالحب: إن تأديب الطفل من خلال المحبة يعني برمجة سلوكية إيجابية تبدأ بالشعور الداخلي والعاطفة القوية التي تتضمن استمرارية السلوك وبناءه على أسس متينة بخلاف التأديب بالتخويف الذي قد يعطي النتائج على المدى القريب لكنه لا يحدث الأثر نفسه الناتج عن المحبة والاقتناع والشعور الدَّاخلي.
ب- التربية بالحوار: فإدارة الحوار مع المتعلم فن رائع له قواعده ومعانيه الخاصة، والأطفال ليسوا سذجا كما يعتقد البعض والحوار معهم يتطلب الاحترام والمهارة من الطرفين، ذلك وحده الذي يقود إلى التفاهم وإلى إيجاد ثمرة حقيقية لما يدور بينهما، ولك أجدى وأفضل من فيض النصائح و التعاليم التي تصدر من الأعلى.
ت- التربية بالتميز: فالتميز من الصفات التي تعلي من شأن المرء وتجعله ناجحا في مجتمعه، وتبين الدراسات أن 90% من شخصية الطفل تنشأ في السنوات السبع الأولى من عمره، حيث يتشكل عندهم للتقبل والإدراك وحب الفضول والاكتشاف و الرغبة في تعلم أشياء كثيرة، فلذا من الأهمية بمكان البحث عن التميز لأطفالنا والبحث عن أمور قد تكون بسيطة في نظرنا إلا أنها مهمة في نظرهم مما يترك لهم الفرصة فيها للوصول إلى طريق التميز.
ث- التربية بالقدوة الحسنة: للقدوة الحسنة أثر كبير في نفس المتعلم وهي من أفضل الأساليب، فالمتعلمين يتعلمون عن طريق التقليد والمحاكاة، وقد بعث الله رسوله الكريم ليكون قدوة للناس أجمعين: "لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر"، فالأبوين في البيت،و المعلم في المدرسة قدوة فعالة شرط أن لا يكون هناك تناقض بين ما يدعو إليه وبين عمله وتصرفاته.
في الحقيقة توجد أنماط عديدة من التربية كالصحبة والملاحظة التي كان يدأب الرسول الكريم، وسلم مبينا المنهج الصحيح والهدي الرشيد جامعا للقيم التربوية الرفيعة من احترام وتقدير لذات الطفل، وتعويده لتحمل المسؤولية .
وأخيرا أهدي هذه النصيحة :
"غضب معاوية بن سفيان على ابنه يزيد فهجره، فقال له الأحنف: يا أمير المؤمنين أولادنا ثمار قلوبنا، وعماد ظهورنا، ونحن لهم سماء ظليلة وأرض ذليلة، فإن غضبوا فأرضهم، وإن سألوا فأعطهم، ولاتكن لهم قُفلا فيملّوا ويتمنّوا موتك".
